روسيا... تحليل واقع مناخ الاستثمار الأجنبي المباشر للفترة (2010 - 2020). يعد المناخ الاستثماري نتاج تفاعل لعدة عناصر منها اقتصادية ، وسياسية ، واجتماعية ، وتشريعية ، وإدارية ، والتي تؤثر على ثقة المستثمر واتخاذه لقرار الاستثمار من عدمه في البلد المضيف للاستثمار الأجنبي.
روسيا...تحليل واقع مناخ الاستثمار الأجنبي المباشر - الاقتصادي
تكمن أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر من كونه يساهم في تنمية قطاع الصادرات، وبالتالي التأثير إيجابا على ميزان المدفوعات، وتقليص حجم البطالة من خلال خلق فرص عمل جديدة، ويساهم في تقليص الفجوة بين الادخار والاستثمار، ويعمل على جذب التكنولوجيا المتطورة والكفاءات.
عوامل جذب الاستثمار الأجنبي المباشر
روسيا تتميز بكبر حجم سوقها، ولديها احتياطيات ضخمة من الموارد الطبيعية والطاقة، وتمتلك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة، وإنتاجية عالية للقوى العاملة، وبنية تحتية متكاملة . جميعها تعتبر عوامل جذب للاستثمار الأجنبي المباشر في الاقتصاد الروسي.
فوفقا للبيانات الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية لعامي 2018 و 2019، دخلت روسيا ضمن قائمة أفضل 20 دولة في العالم من حيث تدفق حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث جاءت في المركز 20 لعام 2018 باستثمارات أجنبية تقدر بـ 13 مليار دولار، وفي المركز 15 لعام 2019 باستثمارات أجنبية تقدر بـ 32 مليار دولار.
حجم تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر
للفترة 2010-2020
الشكل رقم (1)
وتعتبر عوامل جذب الاستثمار الأجنبي جزءاً من المناخ الاستثماري العام للدولة.
سوف نتناول في هذا المقال واقع مناخ الاستثمار الأجنبي المباشر في روسيا للفترة المذكورة أعلاه، من خلال التصنيفات الصادرة عن المؤسسات الدولية لجاذبية الاستثمار، وكذلك من خلال بعض مؤشرات أداء الاقتصاد الكلي.
- مؤشر سهولة ممارسة الأعمال
من المؤشرات الأساسية التي تؤخذ بعين الاعتبار عند تقييم مناخ الاستثمار، هو مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي.
مؤشر سهولة ممارسة الأعمال هو خلاصة لمجموعة من المؤشرات (إجراءات تسجيل الشركة ، سهولة الحصول على تراخيص البناء، إمكانية الوصول إلى شبكة الكهرباء، السياسات الضريبية للدولة، سهولة التجارة الدولية، قوانين حماية المستثمر، قوانين تنفيذ العقود ، وحل الشركات في حالة الإعسار).
ترتيب روسيا الاتحادية على مؤشر سهولة ممارسة الأعمال
للفترة ما بين 2010-2020
الشكل رقم (2)
- روسيا في المركز 120 في عام 2010، ضمن قائمة شملت 183 دولة.
- 123في عام 2011 تراجعت إلى المركز
- في عام 2020 صعدت إلى المركز 28 ، وذلك ضمن قائمة شملت 190 دولة
تصدرت روسيا المركز الأول ضمن مجموعة دول بريكس لعام 2020 (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا).
واحتلت المركز الثاني ضمن مجموعة رابطة الدول المستقلة بعد كازاخستان التي جاءت في المركز 25. يذكر هنا أن رابطة الدول المستقلة تضم كلا من (روسيا، بيلاروس، جمهورية مولدوفا، كازاخستان، أرمينيا، قيرغيزستان، طاجكستان، أذربيجان، أوزبكستان ، وتركمانستان).
- مؤشر التنافسية
مؤشر آخر مهم وهو مؤشر التنافسية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
صعدت روسيا من المركز 63 لعام 2010 إلى المركز 43 لعام 2020 ( من بين 144 دولة) .
وفي عام 2020 ، تبوأت المركز الأول بين أعضاء بلدان "رابطة الدول المستقلة". والمركز الثاني بين دول "البريكس" بعد الصين التي جاءت في المركز 28.
- مؤشر الحرية الاقتصادية
تحسن وضع روسيا من ناحية الحرية الاقتصادية، حيث صعدت في عام 2020 إلى المركز 94 (ضمن قائمة شملت 183 دولة). هذا التقدم سمح لها وللمرة الأولى أن تصنف ضمن فئة الدول ذات "الاقتصاد الحر إلى حد ما"، ويعزى ذلك إلى التحسن الحاصل في مجال السياسة المالية والنقدية.
- مؤشر تطور الحكومة الإلكتروني
وعلى صعيد مؤشر تطور الحكومة الإلكتروني الصادر عن هيئة الأمم المتحدة، فقد حققت روسيا قفزة نوعية في عام 2012 مقارنة مع عام 2010 لتتقدم إلى المركز 27 بدلا من المركز 63 ، من ثم تراجعت في عام 2020 إلى المركز 36 (ضمن قائمة شملت 193 دولة).
مناخ الاستثمار ومؤشرات الاقتصاد الكلي
أما عن أداء مؤشرات الاقتصاد الكلي فإنها من المتغيرات التي يأخذها المستثمر بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار الاستثمار. سوف نتناول أداء الاقتصاد الكلي لروسيا الاتحادية من خلال تحليل أهم المؤشرات التالية: معدل التضخم، والناتج المحلي الإجمالي، والبطالة، وسعر صرف الروبل.
معدل التضخم:
تذبذب معدل التضخم في روسيا للفترة ما بين عامي 2010 و 2020. وكان الأعلى في عام 2014 بنسبة بلغت 12.9% ، والأدني في عام 2017 بنسبة بلغت 2.5%.
تجدر الإشارة هنا أن البنك المركزي الروسي مؤخرا انتهج سياسة استهداف معدلات التضخم، وذلك لضمان استقرار الاقتصاد الكلي والحفاظ على مستوى سنوي لنمو الأسعار في البلاد عند حدود 4% سنوياً، وبالتالي من شأن ذلك أن يساهم في توفير بيئة مناسبة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
الشكل رقم (3)
حسب بيانات البنك الدولي ، بلغ متوسط الناتج المحلي الإجمالي للفترة قيد التحليل (1744) مليار دولار أمريكي. وسجل أعلى قيمة له عام 2013 بـ (2295.2) مليار دولار، والأدني عام 2016 بقيمة (1276.8) مليار دولار أمريكي.
وإذا نظرنا إلى الرسم البياني أدناه، سنجد أن الفترة الممتدة من عام 2011 وحتى عام 2014 كانت الأفضل. علما أن روسيا تعتبر السادسة عالميا من حيث مؤشر حجم السوق، وبلغ الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية لعام 2021 (2.4) ترليون دولار، وذلك وفقا لبيانات الصندوق الروسي للاستثمار الأجنبي المباشر.
معدل البطالة:
بلغ متوسط معدل البطالة خلال الفترة قيد التحليل 5.56% . سجل أدنى نسبه له عام 2019 عند مستوى 4.5%، وأعلى نسبة عام 2010 عند مستوى 7.37%.
يمكن القول إن مستوى البطالة في روسيا يقع ضمن المعدلات المنخفضة نسبياً إذا ما قورن مع مستوى البطالة عالمياً. حيث بلغ متوسط معدل البطالة على مستوى العالم 8.49% لعام 2020.
وحسب بيانات البنك الدولي لمؤشر معدلات البطالة لعام 2020، فإن روسيا حصلت على المركز 109 (من بين 181 دولة).
يذكر هنا أن قطر تبوأت المركز الأول (الدولة رقم 181) لعام 2020 ، وهي الأدنى عالميا من حيث معدلات البطالة.
سعر صرف الروبل مقابل الدولار:
سجلت قيمة الروبل انخفاضا بوتائر مختلفة مقابل الدولار خلال الفترة قيد التحليل، ويمكن تقسيم هذه الفترة إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى بين عامي 2010 و2013، حيث انخفضت قيمة الروبل بنسبة 4.83% لعام 2013 مقارنة مع العام 2011.
أما المرحلة الثانية وهي الفترة الممتدة من العام 2014 وحتى عام 2020، حيث شهد الروبل انخفاضا كبيرا ليفقد أكثر من 126% من قيمته. أحد أسباب هذا التدهور يمكن تفسيره بتأثير العقوبات الاقتصادية التي بدأت الدول الغربية بفرضها على روسيا منذ عام 2014.
الشكل رقم (6)
الميزان التجاري:
كما ذكرنا سابقاً، روسيا غنية بالموارد الطبيعية وتصدر العديد من السلع الأساسية لدول العالم بما في ذلك النفط والغاز، لذلك نجد أن الميزان التجاري لروسيا دائما يميل لصالحها.
نلاحظ من البيانات أدناه أن فائض الميزان التجاري كان الأعلى عام 2018 حيث سجل فائضا بلغ (165) مليار دولار، والأدنى كان في عام 2016 بفائض قدر ب (66.26) مليار دولار.
عموما يتأثر الميزان التجاري الروسي بالأسعار العالمية للنفط والغاز ، حيث سجل سعر برميل النفط الخام عام 2016 أدنى مستوى له خلال الفترة قيد التحليل بمتوسط (45.13) دولارا للخام برنت، وسجل الأعلى عامي 2011 و 2012 بمتوسط (111.26) دولارا أمريكيا و (111.57) دولارا أمريكيا على التوالي.
الشكل رقم (7)
تأثير العوامل السياسية على تدفق الاستثمار الأجنبي
على الرغم من تحسن وضع روسيا على المؤشرات الدولية لجاذبية الاستثمار، إلا إننا شهدنا في الأعوام الأخيرة تراجعا لتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر مقارنة مع الفترة الواقعة بين عامي 2010 و 2013.
يمكن القول أن الظروف السياسية والعقوبات الغربية منذ عام 2014، كان لها الأثر الأبرز على تراجع تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر.
كذلك يجدر التنويه هنا أن عام 2020 شهد تراجعا إضافيا في تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، وذلك إثر التداعيات الاقتصادية لجانحة فيروس كورونا ، والتي أثرت على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على كافة دول العالم.
إن حجم تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر يعتمد على عوامل أخرى لا تقل أهمية عما ذكر سابقاً، ومن هذه العوامل القوانين التجارية، وقوانين تشجيع الاستثمار، والبيروقراطية، وحجم الفساد الإداري والمالي.
بذل المزيد من الجهود لجذب الاستثمار الأجنبي
ومع ذلك، نعتقد أن بذل المزيد من الجهود لتحسين مركز روسيا على المؤشرات الدولية لجاذبية الاستثمار، وكذلك العمل على تحسين مؤشر أداء الاقتصاد الكلي كالحد من التضخم، والحفاظ على استقرار سعر الصرف، كل ذلك من شأنه أن يساهم في تحسين مناخ الاستثمار وبالتالي زيادة ثقة المستثمر باستقرار الاقتصاد الروسي.
اقرأ أيضا: نظرة على مناخ الاستثمار في الأردن
شاركنا رأيك